كيف نواجه التفاهة على منصات التواصل الاجتماعي؟

شارك هذه المقالة مع أصدقائك!


سياسة

د. أشرف الراعي


الناظر والمتابع لمنصات التواصل الاجتماعي يلحظ جلياً أنها باتت ساحة مفتوحة تجمع بين الإبداع والفائدة من جهة والتفاهة والانفلات الأخلاقي من جهة أخرى.

ومع تزايد اعتماد الشباب على هذه المنصات كمصدر للمعلومة والمعرفة والترفيه يبرز التحدي الأكبر؛ كيف يمكن أن نواجه هذا المد من المحتوى السطحي الذي يهدد منظومة القيم ويضعف الوعي المجتمعي ويستنزف الطاقات والوقت؟

أولاً التصدي للتفاهة والذي يبدأ من نشر الوعي؛ فالمجتمع الواعي لا تنطلي عليه المظاهر البراقة أو الرسائل الفارغة وهذا يتطلب برامج تعليمية وإعلامية منهجية، تركز على تعزيز مهارات التفكير النقدي لدى الشباب وتربيتهم على التمييز بين المحتوى الهادف والمحتوى المضلل أو الفارغ، كما أن دور الأسرة والمدرسة في بناء شخصية ناقدة ومدركة لا يقل أهمية عن دور المؤسسات الإعلامية في تقديم نماذج إيجابية وقدوات ملهمة.

كما لا يمكن مواجهة التفاهة والانفلات الأخلاقي دون أدوات ردع قانونية؛ فالتشريعات الوطنية مثل قوانين الجرائم الإلكترونية وتنظيم الإعلام الرقمي يجب أن تطبق بصرامة لضمان محاسبة من يروج لخطاب الكراهية أو ينشر الفساد الأخلاقي أو يستغل المنصات للإساءة؛ ففرض هيبة القانون في الفضاء الرقمي ضرورة لحماية المجتمع، وردع من يحاول أن يعبث بعقول الشباب تحت شعارات زائفة.

إن التفاهة في جوهرها انفلات من القيم والمعايير، وتحويل للمنصات إلى فضاء للابتذال والبحث عن الشهرة بأي ثمن وهنا يتجلى دور المؤسسات الثقافية والتربوية والاجتماعية والدينية في إعادة الاعتبار للأخلاق كضابط رئيسي للاستخدام الرشيد للتكنولوجيا؛ فالمواجهة لا تعني القمع بل بناء خطاب أخلاقي بديل وجاذب يوازي إغراءات المحتوى السطحي ويفوقه تأثيراً.

الأمن الفكري، وهو عنوان مقال سابق لي، والذي يمثل صمام الأمان في مواجهة التفاهة؛ إذ يحصن العقول ضد الاختراق ويمنع الأفكار الهدامة من التسلل عبر بوابة المحتوى التافه ويتحقق ذلك من خلال الاستثمار في المحتوى النوعي وتبني سياسات إعلامية تعزز القيم الوطنية والإنسانية وتمنح مساحة أكبر للمفكرين والمبدعين الشباب لإيصال أصواتهم.

مواجهة التفاهة على منصات التواصل ليست مسؤولية الحكومة وحدها ولا الإعلام فقط بل هي مسؤولية جماعية تتقاسمها الأسرة والمدرسة والمؤسسات الرسمية وصناع المحتوى؛ فالمعركة هنا معركة وعي، وأداتها الأساسية القانون والتربية والإعلام الواعي وإذا ما استطعنا أن نحول الفضاء الرقمي إلى مجال يحفز الإبداع ويعزز القيم عندها فقط نستطيع أن نحد من سطوة التفاهة ونصون مجتمعاتنا من آثارها المدمرة.

مقالات ذات صلة

الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة

لا تورا بورا جديدة على تراب الجنوب اليمني



‫0 تعليق

اترك تعليقاً