بينما تدور عجلة المفاوضات السياسية لإنهاء الحرب الروسية الأوكرانية، يُضاعف الكرملين جهوده على الأرض في محاولة لفرض وقائع ميدانية.
ووفقا لتحليل نشرته صحيفة “نيويورك تايمز”، تمكنت موسكو بعد أكثر من ثلاثة أعوام ونصف من القتال، من تطوير تكتيكات جديدة تركز على التقدم البطيء والمكاسب الصغيرة لكنها تراكمية.
هذه المكاسب التي قد تبدو هامشية على الخرائط العسكرية، حيث لا تتعدى بضع مئات من الأمتار، تأخذ أهمية مضاعفة في ظل الضغوط الأمريكية المتزايدة على موسكو وكييف للتوصل إلى اتفاق سلام.
كما يدرك الرئيس بوتين أن حجم الأراضي التي يسيطر عليها على طول جبهة تمتد 750 ميلاً سيحدد موقعه التفاوضي في أي مفاوضات مقبلة.
تكتيك “التقدم الزاحف”
أشار التقرير إلى أن الانتشار الكثيف للطائرات المسيّرة الاستطلاعية جعل حركة المدرعات والآليات محفوفة بالمخاطر، مما دفع الجيش الروسي إلى الاعتماد على مجموعات صغيرة من الجنود تتحرك سيراً على الأقدام يصعب رصدها.
وما إن يتسلل هؤلاء الجنود عبر الخطوط الأوكرانية، يعيدون تنظيم صفوفهم، ثم يشنون هجمات سريعة، ليكرروا الدورة نفسها ببطء نحو الأمام.
منح هذا التكتيك الروس بعض المكاسب، خاصة في منطقة دونيتسك قرب مدينة بوكروفسك التي تشهد قتالا عنيفا.
وفي مواقع أخرى، تمكنت تشكيلات روسية أكبر من الالتفاف على الدفاعات الأوكرانية باستخدام الأعداد الكثيفة والطائرات المسيّرة، مما أثار مخاوف من اختراق أوسع للجبهة.
المقاومة الأوكرانية
رغم نجاح أوكرانيا في الحد من الخسائر، فإن الألوية الأكثر خبرة استُنزفت بعد الزجّ بها مرارا في أصعب جبهات القتال.
وحدات مثل “آزوف” واللواءين 33 و59 تقاتل منذ سنوات طويلة، في الوقت الذي تواجه فيه كييف أزمة تجنيد رغم تعبئة جميع الرجال بين 25 و60 عاماً، وفتح الباب أمام من تجاوزوا الستين للتطوع.
ساحة المعركة الحاسمة
وتظل دونيتسك، قلب منطقة دونباس التاريخية، محور الصراع العسكري والسياسي معاً. فيصر الرئيس الروسي على أنها “جزء طبيعي من روسيا”، وذكرت تقارير أن لقاءه مع ترامب تضمن إقناع الرئيس الأمريكي بضرورة تخلي أوكرانيا عن كامل دونباس مقابل السلام.
لكن روسيا لا تسيطر حالياً سوى على ثلاثة أرباع دونيتسك، فيما يشهد الجزء الغربي الخاضع لسيطرة كييف قتالا عنيفا.
وكشف القتال في دونيتسك عن تحول جديد في طبيعة الحرب، إذ يعتمد الجيش الروسي بشكل متزايد على وحدات درون متخصصة لاستهداف طرق الإمداد الأوكرانية بدقة.
كما نجحت روسيا في إضعاف فاعلية المسيّرات الأوكرانية الكبرى، مثل “بابا ياغا” التي كانت تنفذ عشرات الطلعات قبل إسقاطها، لكنها اليوم بالكاد تنفذ عشر طلعات فقط.
إلى ذلك، أقر أحد الضباط الأوكرانيين أن: “هذه الوحدات الروسية تعمل بفاعلية، وأن الطائرات المسيّرة الجديدة تشكل تهديدا حقيقيا لنا”.
سباق ضد الزمـــن
تدرك روسيا أنها تخوض سباقاً مع الزمن، حيث إن كل شبر تسيطر عليه الآن سيترجم إلى ورقة ضغط إضافية على طاولة المفاوضات.
في المقابل، تحاول أوكرانيا، رغم الإرهاق ونقص الموارد، منع الروس من فرض وقائع جديدة تجعلها تدخل أي تسوية من موقع أضعف.
ويبدو أن المشهد العسكري في أوكرانيا يدخل مرحلة حاسمة، حيث تحاول موسكو ترجمة تفوقها العسكري البطيء إلى مكاسب استراتيجية دائمة، بينما تكافح كييف للحفاظ على تماسك خطوطها الدفاعية في انتظار تحولات سياسية قد تحدد مصير الصراع بأكمله.
aXA6IDUxLjkxLjIyNC4xNDQg جزيرة ام اند امز