دمشق، سوريا – كشفت مصادر مطلعة لـ”رويترز” أن الحكومة السورية الجديدة تعتزم إصدار أوراق نقدية جديدة بحذف صفرين من قيمتها، في محاولة لإعادة الثقة في الليرة السورية التي فقدت أكثر من 99% من قيمتها. هذه الخطوة، التي تأتي بعد الإطاحة بالرئيس بشار الأسد في ديسمبر الماضي، لا تهدف فقط إلى تسهيل المعاملات اليومية، بل تحمل أيضاً دلالة سياسية رمزية بإزالة صورة الأسد ووالده من الأوراق النقدية.
تحليل اقتصادي وسياسي: دوافع وإشكاليات
انهيار الليرة السورية، التي تدهور سعرها من 50 ليرة مقابل الدولار قبل عام 2011 إلى نحو 10 آلاف ليرة حالياً، جعل المعاملات النقدية أمراً بالغ الصعوبة. فالمواطنون يضطرون لحمل كميات هائلة من الأوراق النقدية لشراء احتياجاتهم الأساسية، ما أدى إلى تحول واسع نحو استخدام الدولار في كثير من المعاملات. هذه الأزمة المالية عمقتها سياسات النظام السابق التي حظرت استخدام العملات الأجنبية وساهمت في تداول نحو 40 تريليون ليرة خارج النظام المصرفي الرسمي.
تأتي هذه الخطوة مدفوعة بعدة أهداف رئيسية:
تسهيل المعاملات: حذف صفرين يقلل من حجم الأوراق النقدية المطلوبة للمشتريات اليومية، ما يسهل على المواطنين والتجار إجراء المعاملات النقدية وتخزين الأموال.
تعزيز السيطرة النقدية: إصدار عملة جديدة سيساعد الحكومة على استبدال الأموال المتداولة خارج النظام المالي، مما يمنحها رقابة أكبر على السيولة النقدية المتوفرة في السوق.
رسالة سياسية قوية: إزالة صور بشار ووالده حافظ الأسد من العملة الرسمية هي خطوة رمزية قوية للتخلص من إرث حكم عائلة الأسد الذي دام لأكثر من 50 عاماً، وتأكيد على التوجه الجديد للدولة نحو تغيير شامل.
خطة التنفيذ وتحدياتها
وفقاً لمصادر في بنوك تجارية ومصرف سوريا المركزي، تم الاتفاق مع شركة الطباعة الحكومية الروسية “جوزناك” لطباعة الأوراق النقدية الجديدة. ومن المتوقع أن تبدأ عملية الإصدار في 8 ديسمبر، بالتزامن مع الذكرى السنوية الأولى لسقوط الأسد، مع فترة انتقالية لمدة 12 شهراً تسمح بتداول العملتين القديمة والجديدة.
ومع ذلك، يواجه هذا الإصلاح تحديات كبيرة. الخبير الاقتصادي كرم شعار يحذر من أن حذف الأصفار قد يسبب ارتباكاً لدى المواطنين، خاصة كبار السن، في ظل بنية تحتية محدودة للمدفوعات الرقمية وغياب خطة واضحة للتطبيق في جميع أنحاء البلاد، نظراً لتفاوت السيطرة الحكومية على المناطق. ويرى شعار أن خيار إصدار فئات أعلى من العملة الحالية (مثل 20 أو 50 ألف ليرة) كان يمكن أن يحقق نفس الأهداف دون تكاليف الإصلاح الباهظة، التي قد تصل إلى مئات الملايين من الدولارات.
خلاصة
إصلاح العملة في سوريا هو أكثر من مجرد إجراء اقتصادي، إنه يمثل جزءاً من عملية إعادة بناء شاملة تهدف إلى استعادة الاستقرار والثقة في المؤسسات. وبينما تحمل هذه الخطوة آمالاً كبيرة لتحسين الوضع المعيشي وتأكيد التحول السياسي، فإن نجاحها سيعتمد على مدى فعالية الحكومة الجديدة في إدارة التحديات اللوجستية والمالية لضمان انتقال سلس دون إرباك المواطنين.