بينما تتسابق الدول نحو الذكاء الاصطناعي والتقنيات الفضائية، تطل المجاعة بوجهها القاسي في مدينة غزة، التي يعاني أهلها ويلات الحرب والجوع.
وتعد المجاعة وأزمات الغذاء الحادة من أخطر التحديات الإنسانية التي تواجه العالم اليوم، وتتفاقم هذه الأزمات بشكل خاص في مناطق بالشرق الأوسط وأفريقيا.
وتتضافر عوامل متعددة مثل النزاعات المسلحة، التغيرات المناخية، والفقر لتخلق ظروفا كارثية تهدد حياة الملايين.
إعلان المجاعة في غزة
وفي تطور مقلق، أعلنت الأمم المتحدة وخبراء دوليون رسميا في 22 أغسطس/آب 2025 عن تفشي المجاعة على نطاق واسع في قطاع غزة، وهي المرة الأولى التي يتم فيها إعلان المجاعة في منطقة الشرق الأوسط.
ويعاني حوالي 500 ألف شخص، أي ما يقرب من ربع سكان القطاع، من الجوع الكارثي، ومن المتوقع أن يرتفع هذا العدد إلى 641 ألفًا بحلول نهاية سبتمبر/أيلول.
وأكد التصنيف المرحلي المتكامل للأمن الغذائي (IPC)، وهو مرصد عالمي لمراقبة الجوع، حدوث المجاعة في محافظة غزة وتوقع انتشارها إلى محافظتي دير البلح وخان يونس.
وصرح مفوض الأمم المتحدة السامي لحقوق الإنسان بأن المجاعة في غزة هي “نتيجة مباشرة لإجراءات الحكومة الإسرائيلية”، وأن الوفيات الناجمة عن التجويع قد تمثل جريمة حرب”.
أفريقيا أيضا تعاني
وتُعد القارة الأفريقية بؤرة للعديد من أزمات الغذاء والمجاعات بسبب مجموعة من العوامل المعقدة، بما في ذلك النزاعات المسلحة، التغيرات المناخية، والجفاف المتكرر.
ولطالما كانت الصومال في طليعة الدول التي تعاني من المجاعات الخطيرة، وقد شهدت مجاعة رسمية في عام 2011 أدت إلى وفاة عشرات الآلاف من الأشخاص. ولا تزال البلاد تواجه تحديات كبيرة بسبب الجفاف والصراعات الداخلية.
وتعاني السودان وجنوب السودان من ظروف مجاعة خطيرة بسبب النزاعات المستمرة وعدم الاستقرار السياسي.
وشهد السودان مجاعات في أعوام 1993 و1998، بينما أُعلنت المجاعة في جنوب السودان عام 2017، وتستمر الأوضاع الإنسانية في التدهور في هذه المناطق.
وتواجه شمال نيجيريا والنيجر ومالي في منطقة الساحل الأفريقي تحديات غذائية كبيرة بسبب الجفاف والصراعات.
وشهدت النيجر أزمة غذاء حادة في 2005-2006، ولا تزال هذه المناطق تعاني من نقص حاد في الغذاء وسوء التغذية.
كما أن دولا في القرن الأفريقي من بينها إثيوبيا وكينيا والصومال، تشهد حاليًا أسوأ حالات الجفاف في التاريخ الحديث، مما يؤدي إلى ظروف شبيهة بالمجاعة ويهدد حياة الملايين. وقد أثر الجفاف الشديد على المحاصيل والثروة الحيوانية، مما فاقم من انعدام الأمن الغذائي.
أسباب المجاعات
وتتعدد الأسباب الكامنة وراء تفشي المجاعات والظروف الشبيهة بالمجاعة في الشرق الأوسط وأفريقيا، ومن بينها:
النزاعات المسلحة
تُعد النزاعات العامل الرئيسي في تفاقم أزمات الغذاء، حيث تؤدي إلى تدمير البنية التحتية، تعطيل سلاسل الإمداد الغذائي، تهجير السكان، ومنع وصول المساعدات الإنسانية. الأمثلة البارزة تشمل غزة، السودان، وجنوب السودان.
التغيرات المناخية والجفاف
يؤدي تغير المناخ إلى أنماط طقس متطرفة، بما في ذلك فترات جفاف طويلة وفيضانات مفاجئة، مما يدمر المحاصيل ويقلل من توافر المياه. القرن الأفريقي هو مثال صارخ على تأثير الجفاف المدمر.
الفقر والتخلف الاقتصادي
تعاني العديد من الدول المتأثرة بالمجاعة من مستويات عالية من الفقر، مما يحد من قدرة السكان على الحصول على الغذاء الكافي، ويجعلهم أكثر عرضة للصدمات الاقتصادية والكوارث الطبيعية.
الأوضاع الجوية الصعبة
تؤثر الظروف الجوية القاسية، مثل نقص الأمطار أو الأمطار الغزيرة غير المتوقعة، على الإنتاج الزراعي وتؤدي إلى نقص الغذاء.
الأمراض والأوبئة
يمكن أن تؤدي الأوبئة إلى إضعاف السكان وتقليل قدرتهم على العمل والإنتاج، مما يزيد من تفاقم أزمة الغذاء.
استجابة المنظمات الدولية والمجتمع الدولي
وتُعد الاستجابة الدولية لأزمات المجاعة تحديًا معقدًا يتطلب تنسيقًا واسع النطاق وجهودًا متعددة الأوجه من قبل المنظمات الإنسانية، الحكومات، والجهات المانحة.
وفي مواجهة الأزمات الحالية في الشرق الأوسط وأفريقيا، قامت العديد من المنظمات بدور حيوي في محاولة التخفيف من المعاناة الإنسانية.
الأمم المتحدة ووكالاتها
تضطلع الأمم المتحدة ووكالاتها المتخصصة بدور محوري في الاستجابة لأزمات المجاعة. ففي حالة غزة، أعلنت الأمم المتحدة رسميًا عن تفشي المجاعة، وهو إعلان يهدف إلى حشد الاستجابة الدولية وزيادة الضغط على الأطراف المعنية لتسهيل وصول المساعدات.
وأكد مفوض الأمم المتحدة السامي لحقوق الإنسان، فولكر تورك، أن ظهور المجاعة في شمال قطاع غزة هو “نتيجة مباشرة لإجراءات اتخذتها الحكومة الإسرائيلية”، مشيرًا إلى أن الوفيات الناجمة عن التجويع قد تمثل جريمة حرب.
وتعكس هذه التصريحات مستوى الإحباط والضغط الذي تمارسه الأمم المتحدة على الأطراف الفاعلة لضمان الامتثال للقانون الإنساني الدولي.
برنامج الأغذية العالمي (WFP)
ويُعد برنامج الأغذية العالمي الذراع الرئيسي للأمم المتحدة في مكافحة الجوع، ويعمل البرنامج على تقديم المساعدات الغذائية الطارئة للمتضررين من النزاعات والكوارث الطبيعية.
في منطقة القرن الأفريقي، يكثف برنامج الأغذية العالمي مساعداته لتلافي خطر المجاعة الناجم عن موجات الجفاف المتتالية، حيث يواجه الملايين خطر الجوع.
كما يحتاج البرنامج إلى تمويل عاجل لضمان استمرار الدعم للمتضررين في منطقة الساحل ونيجيريا، حيث يواجه الملايين خطر المجاعة.
اليونيسف (UNICEF)
تركز اليونيسف على حماية الأطفال الأكثر ضعفًا في أوقات الأزمات. في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، تعمل اليونيسف على مواجهة أزمة الغذاء والمجاعة، وتدعو الحكومات إلى إعطاء الأولوية للتغذية، خاصة للأطفال الذين يعانون من سوء التغذية الحاد الوخيم.
وأطلقت اليونيسف نداءات للحصول على تمويل ضخم للاستجابة للأزمات الإنسانية المستمرة واحتياجات الأطفال في المنطقة.
منظمة الصحة العالمية (WHO)
تلعب منظمة الصحة العالمية دورًا حيويًا في معالجة الآثار الصحية للمجاعة، بما في ذلك سوء التغذية والأمراض المرتبطة به.
وقد أعلنت المنظمة أن المجاعة تنتشر في جميع أنحاء قطاع غزة، وتشارك في الدعوات لوقف إطلاق النار لتمكين إيصال المساعدات الطبية والغذائية.
المجتمع الدولي والجهات المانحة
إلى جانب وكالات الأمم المتحدة، يشارك المجتمع الدولي، بما في ذلك الحكومات والمنظمات غير الحكومية، في جهود الإغاثة. يتم تقديم المساعدات المالية، الغذائية، والطبية للمناطق المتضررة.
ومع ذلك، تواجه هذه الجهود تحديات كبيرة، مثل القيود المفروضة على وصول المساعدات، خاصة في مناطق النزاع مثل غزة، حيث تُتهم بعض الجهات بعرقلة إدخال المساعدات الإنسانية.
وتُعد الدعوات المتكررة لوقف إطلاق النار وفتح المعابر لإدخال المساعدات الإنسانية مؤشرًا على الإجماع الدولي حول ضرورة التحرك العاجل.
ومع ذلك، فإن الفجوة بين حجم الاحتياجات الإنسانية والموارد المتاحة لا تزال كبيرة، مما يتطلب زيادة الالتزام من قبل الجهات المانحة وتسهيل وصول المساعدات دون عوائق.
aXA6IDUxLjkxLjIyNC4xNDQg جزيرة ام اند امز