غزة تتضور جوعا.. كيف تحول الغذاء إلى سلاح حرب؟

شارك هذه المقالة مع أصدقائك!



في واحدة من أعقد الأزمات الإنسانية في العصر الحديث، يواجه قطاع غزة مجاعة شاملة، بفعل حصار خانق وحرب مدمرة حوّلت الغذاء لسلاح حرب.

ومع تزايد تتزايد التحذيرات الدولية، توثق التقارير الميدانية كارثة إنسانية غير مسبوقة، بينما يبقى أكثر من مليوني إنسان في مواجهة خطر الجوع والموت البطيء.

وتشير أحدث التقييمات الأممية، إلى أن غزة تجاوزت العتبات الحرجة التي يعتمدها التصنيف المرحلي المتكامل للأمن الغذائي (IPC) لإعلان المجاعة. فـ95 بالمائة من السكان يعيشون مستويات جوع حادة، فيما يعاني 40 بالمائة من الأطفال دون سن الخامسة من سوء تغذية خطير، بحسب ما أشار تقرير منشور على موقع برنامج الأغذية العالمي.

كما ارتفع معدل الوفيات إلى أكثر من شخصين يوميا لكل 10 آلاف نسمة، وهو مؤشر واضح على أن القطاع دخل مرحلة الكارثة الإنسانية بكل المقاييس.

وبحسب معايير التصنيف الأممي، لا يُعلن عن المجاعة إلا عندما تفشل 20 بالمائة على الأقل من الأسر في الحصول على الغذاء الكافي، وإصابة ثلث الأطفال تقريبا بسوء التغذية، ووصول معدلات الوفيات إلى مستويات مرتفعة، وهو ما يعني أن غزة لم تعد في مرحلة الخطر فحسب، بل تجاوزت مؤشرات المجاعة بالفعل.

حصار ممنهج

الأزمة في غزة ليست مجرد نتيجة جانبية للحرب، بل نتاج حصار متواصل يستهدف مقومات الحياة الأساسية. فقد دُمّر نحو ثلثي المخابز و80 بالمائة من المنشآت الزراعية، فيما لا يُسمح بدخول سوى نسبة محدودة من الشاحنات الإغاثية مقارنة بالاحتياجات الفعلية.

كما توقفت 70 بالمائة من المرافق الصحية عن العمل، ما أفقد القطاع القدرة على مواجهة تبعات سوء التغذية والأمراض المرتبطة بانعدام الأمن الغذائي.

وتحذر منظمات إنسانية منذ سنوات من أن استمرار القيود على دخول الغذاء والدواء والوقود يضع أكثر من مليوني إنسان في دائرة الفقر المدقع.

لكن الحرب الأخيرة سرّعت الانهيار، إذ لم يعد لدى السكان أي قدرة على التكيف، بعدما استنفدوا كل وسائل البقاء الممكنة.

مأساة يومية تتجاوز الأرقام

وراء الأرقام القاسية، تقف قصص إنسانية مؤلمة لعائلات تضطر إلى أكل أعلاف الحيوانات وأوراق الأشجار للبقاء على قيد الحياة.

وفي بعض المناطق، أصبحت وجبة الخبز حلما بعيد المنال، فيما يلجأ آخرون إلى تقاسم علبة فاصوليا واحدة بين أسرة كاملة.

ويفاقم انتشار الأمراض المنقولة بالمياه مثل الكوليرا والتيفوئيد المأساة، إذ لم يعد بمقدور 80 بالمائة من السكان الوصول إلى مياه شرب آمنة.

أما النازحون، الذين يشكلون الأغلبية اليوم، فيعيشون في ملاجئ مكتظة تفتقر لأبسط مقومات الحياة، من الصرف الصحي إلى الرعاية الطبية.

ويصف شهود عيان الوضع بأنه “معسكر بقاء جماعي” حيث يتنافس الناس على كسرة خبز أو زجاجة ماء.

تضليل وتأخير في الاستجابة

تتعقد الأزمة بفعل حملات إنكار منظمة تقلل من حجم الكارثة، وتعيق عمل المنظمات الدولية في توثيق الأوضاع. هذا الإنكار يسهم في تأخير التدخل العاجل، ويعطي مساحة لاستمرار معاناة المدنيين، بينما تُصوَّر الأزمة على أنها نتيجة حتمية للصراع وليست سياسة ممنهجة قائمة على استخدام الجوع كسلاح.

وفي كثير من النزاعات السابقة، أثبتت هذه السياسات أن التأخير في الاعتراف بالمجاعة يؤدي إلى مضاعفة الخسائر. إذ قُتل مئات الآلاف في الصومال عام 2011 رغم التحذيرات المبكرة، لأن المجتمع الدولي لم يتحرك بسرعة كافية.

كما تستحضر غزة اليوم مآسي تاريخية مثل حصار لينينغراد خلال الحرب العالمية الثانية، ومجاعة البنغال عام 1943، وأزمة الصومال عام 2011 التي راح ضحيتها ربع مليون إنسان رغم التحذيرات المبكرة.

كما يذكرنا الوضع بحالات المجاعة في جنوب السودان واليمن، حيث تحول النزاع المسلح إلى العامل الرئيسي في انهيار الأمن الغذائي.

إنقاذ غزة: إرادة دولية مطلوبة

ورأى تقرير برنامج الأغذية العالمي أن تجنب الأسوأ يتطلب تحركا فوريا يتجاوز الحسابات السياسية. ويبدأ بفتح المعابر بشكل دائم وغير مشروط أمام الغذاء والدواء، ووقف العمليات العسكرية في المناطق السكانية، وإنشاء آلية تنسيق دولية فعّالة للإغاثة.

كما يتطلب الأمر مساءلة قانونية لكل من يستخدم الغذاء كسلاح حرب، وإلزام الأطراف كافة باحترام القانون الدولي الإنساني، وفق مراقبين.

aXA6IDUxLjkxLjIyNC4xNDQg جزيرة ام اند امز FR



‫0 تعليق

اترك تعليقاً