تجاوز الجدل الدائر في لبنان حول سلاح حزب الله الحدود السياسية المعتادة ليصل إلى قلب المؤسسات الدينية، مسلطًا الضوء على انقسام عميق يهدد النسيج الاجتماعي للبلاد. فما كان يُعتبر قضية سياسية بامتياز، أصبح الآن يمثل نقطة خلاف علنية بين أعلى المرجعيات الدينية في البلاد، وهو ما تجلى بوضوح في السجال الأخير بين البطريرك الماروني بشارة بطرس الراعي والمفتي الجعفري الشيخ أحمد قبلان.
تضارب المواقف: حصر السلاح في يد الدولة أم في يد “الله”؟
يشير البطريرك الراعي، ممثلًا الموقف الرسمي للكنيسة المارونية، إلى أن الجيش وحده يحمي اللبنانيين جميعًا. لقد أصبحت دعوته إلى حصر السلاح بيد الدولة اللبنانية أكثر إلحاحًا، خاصة بعد أن أدت “حرب إسناد غزة”، التي شنها حزب الله، إلى “الخراب” على لبنان. وذهب الراعي أبعد من ذلك، داعيًا أبناء الطائفة الشيعية إلى مراجعة ولاءاتهم والعودة إلى “لبنانيتهم”، ومؤكدًا أن هناك إجماعًا على نزع سلاح الحزب.
على الجانب الآخر، يرى المفتي الجعفري الشيخ أحمد قبلان أن سلاح حزب الله هو “سلاح الله”، وأن أي محاولة لنزعه هي “قرار مجنون وفارغ” يخدم إسرائيل. يربط قبلان بشكل مباشر بين الطائفة الشيعية والمقاومة، مؤكدًا أن “الشيعة تعني المقاومة، والمقاومة تعني الشيعة”. هذه التصريحات تتماشى مع موقف المجلس الإسلامي الشيعي الأعلى، الذي يرى في “سلاح المقاومة” درعًا دفاعيًا عن لبنان كله، وليس مجرد قضية طائفية.
خلافات متجذرة وتاريخ من التوتر
لم يكن هذا السجال وليد اللحظة، بل هو امتداد لسلسلة من الخلافات المتجذرة بين بكركي والمرجعيات الدينية الشيعية. فمنذ تولي البطريرك الراعي منصبه في عام 2011، سعى إلى مد جسور التواصل، لكن الخلاف الجوهري حول سلاح الحزب، الذي يُعتبر مساسًا بسيادة الدولة اللبنانية، بقي نقطة خلاف ثابتة.
ازدادت حدة التوتر في عام 2014، عندما زار البطريرك القدس، وهو ما أثار موجة من الانتقادات من قبل حزب الله وبعض المؤسسات الدينية الشيعية، الذين اعتبروا الزيارة تطبيعًا مع إسرائيل. ومنذ ذلك الحين، بقيت العلاقة بين بكركي والبيئة الشيعية محاطة بالكثير من الحذر والريبة.
ما بعد السجال: تداعيات على الوحدة اللبنانية
تُظهر هذه المواجهة العلنية أن الانقسام في لبنان لم يعد يقتصر على المستويات السياسية، بل أصبح يهدد الوحدة الوطنية من أساسها، حيث تُستخدم الرموز الدينية والقومية في صراع مفتوح على الهوية والولاء. ومع استمرار هذا الانقسام، يصبح السؤال الأهم: كيف يمكن للبنان أن يتجاوز هذه الأزمة في ظل تضارب المواقف حول من يمتلك حق حماية الوطن؟